المواطن/ تحليلات – معن دماج
بعد مرور سبع سنوات تقريبا على انطلاق ثورة فبراير في اليمن، في سياق الثورات العربية التي انطلقت من تونس ديسمبر العام 2010م، تبدو البلد غارقة في الحرب والعنف والتمزق الاهلي؛ مع تحول الثورة الشعبية التي تفجرت في فبراير 2011 الى حرب (أهلية)، تداخلت معها وفيها حرب إقليمية مع أخذ التدخل السعودي شكلا حربيا عبر التحالف العشري العربي، وزيادة ظهور مشكلة الهوية في الصراع والحرب لجهة القضية الجنوبية والمطالبين بالانفصال وفك الارتباط، أو لجهة بروز الطابع الجهوي والقبلي والطائفي لتحالف صالح- الحوثي ، فيما تبدو القوى الشعبية التي شاركت في الحراك الشعبي والثوري الواسع، وكأنها تبخرت او انقسمت بين قوى الامر الواقع المحلي والاقليمي والدولي .
كان واضحا من البداية أنّ الثورة في اليمن، وإن كانت تتقاسم نفس المهام مع باقي الثورات العربية التي ابتدأت من تونس، لإسقاط الانظمة الاستبدادية وخياراتها الاقتصادية والاجتماعية، وتأسيس نظام جديد، قائم على المواطنة والحرية، وببرنامج اقتصادي واجتماعي يعبر عن مصالح الفئات الشعبية الغارقة في الفقر والبطالة والتهميش، فإنّها بالإضافة الى ذلك كان عليها حل مسألة الهوية الوطنية، التي كانت حروب صعدة منذ 2004م، وخصوصا الحراك الجنوبي منذ 2007م؛ تعبيرها الأبرز، والتي كانت تُبرز أساسا فشل الدولة في تحقيق الاندماج الوطني وصعود الهويّات قبل الوطنية.
كانت المشكلة الجنوبية هي الأكثر عمقا؛ نتيجة وحدة حديثة أقيمت على عجل وارتجال وسوء تخطيط وتنفيذ، ولم يمر عليها سوى25 عاما.
الدولة الحديثة التي نشأت بين نظامين مختلفين عام 90 من القرن الماضي، سرعان ما دخلت في أزمة عميقة تدهورت إلى حرب شاملة بعد أقل من أربع سنوات على قيامها، انتهت بانتصار نظام علي صالح المتحدّر من الشمال، والإسلاميين وقوى تقليدية تمثل المشايخ وقبائل مختلفة، في بلد لا تشكل الوحدة فيه سوى استثناء؛ فالدولة بحدود عام 90، لم تتحقق منذ 270 سنة تقريبا.
عكست الأزمة والحرب في صعدة فشلَ نظام جمهوريّة سبتمبر 1962م، في تحقيق اندماجٍ وطنيّ على مستوى الشمال، تمامًا مثلما عكستْ فشله في إنجاز مهامِّ التحديث ورفع المستوى المعيشيّ. فهذا النظامُ كان أشبه بنظامِ الإمامة من دون إمام: استُبدلتْ هيمنةُ الزعامة الروحيّة للفقهاء الهاشميّين بالزعامة الاجتماعيّة لمشايخ القبائل، مع بقاء مركزِ السلطة في المنطقة القبليّة الشماليّة، مشكّلًا طبقةً مهيمنةً مكوّنةً من العسكر والمشايخ والبرجوازيّة التجاريّة، مع حضورٍ للقوى التقليديّة من السادة والقضاة.
عند انطلاق ثورة فبراير، ومع عجز النظام على قمعها وسحقها نتيجة المشاركة الشعبية الواسعة، وسيطرتها على عشرات الساحات في اربع جهات البلاد؛ حاول النظامُ تحويلها إلى أزمةٍ سياسيّةٍ مع أحزاب المعارضة – التي كان اغلب عناصر الساحات والحراك الثوري تنتمي اليها، فهي، رغم إصلاحيتها وتقليديتها، احزاب جماهيرية، وهذه الأخيرة كانت، من حيث بنيتها وأيديولوجيّتها وتركيبة قيادتها، مكوّنةً من قوًى إصلاحيّةٍ غير ثوريّة، فلم تستطع حسمَ المعركة على الرغم من جماهيريّتها وسيطرتها على ساحات الحراك الثوريّ. ومع استعصاءِ الحسم من قبل الثورة أو النظام، تدخّلت القوى الدوليّةُ بما يُعرف بـ”المبادرة الخليجيّة”، لمنع أيّ تغييرٍ حقيقيّ، والاكتفاءِ بإبعاد علي عبدالله صالح، وتقليص نفوذه مع الابقاء على النظام كما هو. لكنّ حتى هذا الأمر لم يحدث، إذ تمَّ تغييرٌ شكليٌّ في المناصب العليا، وبقي الجهازُ العسكريُّ والأمنيُّ والإداريُّ كما كان عليه تقريبًا، وظل تحت تأثير صالح ورجاله، وتمكّن من استعادة قطاعاتٍ انشقّت عنه إبّان صعود الموجة الثوريّة.
لم تحقّق الحكومة الناتجة من التسوية أيَّ إنجازاتٍ للمواطنين، ولم تقدّم حلولًا للمشكلات الأساسيّة، بل زادت المشكلاتِ المعيشيّة عمقًا. وبدا للمواطن أنّ المعارضة التي تحاصصت السلطةَ مع النظام أكثرُ منه فسادًا وانغلاقًا. والواقع أنّها لم تكن تمتلك برنامجًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا مختلفًا عن النظام، الأمر الذي أحبط قطاعاتٍ شعبيّةً واسعةً، فعاد بعضُها إلى الاصطفاف خلف النظام. ومع تفاقم الأزمة الاجتماعيّة والمعيشيّة، وتعمّقِ الأزمة الوطنيّة، وصعودِ الخطابات قبل الوطنيّة؛ استطاع نظامُ صالح والجماعةُ الحوثيّة تعبئةَ قطاعاتٍ من أبناء المنطقة القبليّة الزيديّة الشماليّة على أساسٍ طائفيّ وقبليّ، مستغلّيْن فشلَ المعارضة التقليديّة التي قُدّمتْ ممثّلًا للثورة، ومستغلّيْن أيضًا مخاوفَ أبناء تلك المنطقة الذين يعتمدون على العمل في قطاعات الدولة، ولاسيّما الجيش والأمن؛ فقد ركّز الحوثيّ وصالح على أنّ مطالب المعارضة والجنوبيّين، بتغييرِ شكل الدولة واعتماد الفيدراليّة، إنّما تهدف إلى حرمانهم مصدرَ عيشهم الرئيسَ ذاك.
تحوّلت الثورةُ، إذن، إلى أزمة سياسيّة، وحوّلها تحالفُ صالح والحوثيّين إلى صراعٍ أهليّ، لتصل في نهاية المطاف إلى حربٍ إقليميّةٍ بالوكالة بين حلفاء السعودية وحلفاء إيران. فقد تدخّلت السعوديّةُ، التي كانت قد خسرتْ أغلبَ حلفائها من الإخوان المسلمين ومشايخِ القبائل، بالحرب المباشرة (“عاصفة الحزم”)، ودخلتْ في صراعٍ لإضعاف خصومها.
اليمن اليومَ ساحةُ حربٍ إقليميّة، مباشرةً أو بالوكالة؛ والحال أنّ القوى الإقليميّة تحرّكتْ أساسًا لإجهاض الثورات العربيّة خوفًا من أن تصلَ إليها، ومن ثمَّ لتملأ الفراغَ الناجمَ عن الانسحاب الأمريكيّ من المنطقة ولتعزيز نفوذها.
جذور وطبيعة الحركة الحوثية
عندما قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن ضد نظام الإمامة، لم يكن من المبالغة القول ان الاوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية فيها كانت تنتمي للعصور الوسطى، واضافة الى مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي والخدمات الصحية والتعليمية شبه المعدومة، والانقطاع التام عن العالم الخارجي – لم يتعرض الداخل اليمني تقريبا لأي استعمار اوربي، وحتى فترات السيطرة الاستعمارية العثمانية كانت محدودة ومتقطعة-، اضافة الى كل ذلك فإن نظام الإمامة الزيدية في اليمن المتوكلية، كان يقوم على اساس ان الامام العلوي المنتمي الى احد البطنيين – الحسن والحسين – هو الحاكم الشرعي بالحق الإلهي والوصية الدينية، كما انه يقوم اساسا على مبدأ الخروج بالسيف على الحاكم الظالم؛ فهو لم يكن يعترف رسميا بمبدأ ولاية العهد، الامر الذي حول فترات حكم الاسر الهاشمية القصيرة والمتقطعة الى عصور مفتوحة من الحروب، سواء بين ابناء الإمام الميت، او بين اسرة هذا الاخير وبين بقية الاسر الهاشمية الطامعة والمعتقدة بتوفر شروط الإمامة فيها. وفيما كانت الإمامة تستخدم القبائل الشمالية في حروبها تلك، فأنها بالمقابل كانت تطلق يدها وتمنحها الامتيازات في المناطق الزراعية الوسطى والغربية.
تحولت ثورة 26 سبتمبر 1962م، التي أطاحت بالملكية الإمامية (تنتمي الحركة الحوثية الى احدى العائلات المتنافسة فيها على الإمامة)، وأسست اول جمهورية في الجزيرة العربية، تحولت الى حرب اهلية بين الجمهوريين المدعومين من جمهورية مصر العربية والمعسكر الشرقي، وبين الملكيين المدعومين من المملكة العربية السعودية والاردن وايران البهلوية وبريطانيا وبقية الانظمة الرجعية.
ورغم ان هذه الحرب الاهلية قد انتهت بانتصار الجمهورية وتثبيتها، وطرد اخر بيت ملكي إمامي في اليمن (بيت حميد الدين)، فأن النظام السياسي الذي تشكل منذ انقلاب 5 نوفمبر 1967م، يعد بمعنى ما استمرارا لنظام الإمامة الذي قامت عليه ثورة 26 سبتمبر 1962م، لجهة تركز السلطة في نفس المنطقة الجغرافية – المنطقة الشمالية القبلية – والذي بدا وكأنه نظام الإمامة نفسه لكن من دون إمام، مع استبدال الزعامة الروحية التي كانت محصورة في بضع أسر هاشمية تداولت على السلطة لفترات مختلفة ومتقطعة، بالسلطة الاجتماعية للمشايخ. ورغم انتماء أغلب رجال السلطة والجيش والمشايخ الى هذه المنطقة بالذات، ظلت المنطقة الشمالية القبلية هي الأفقر في الجمهورية اليمنية، حيث البطالة والتهميش والفقر، وحتى بالنسبة لأولئك الذين وظفوا في الأجهزة العسكرية والأمنية وأجهزة الدولة. ويمكن اعتبار ابناء هذه المناطق، أضافة الى سكان تهامة، هم الافقر والاكثر تهميشا على مستوى الأرياف اليمنية.
واذا كان فشل جمهورية 26سبتمبر 1962م، في بناء دولة المواطنة الواحدة، وتحديث البلد وتطوير اقتصاد منتج يحل محل النظام الريعي السائد، بل وتحولها الى نظام سلطاني يحكمها نظام علي صالح الذي كان يطمح الى تأسيس سلاله حاكمه من عائلته، قد ساعد في دفع الاسر الإمامية الطامحة لاستعادة ما تظنه حقا شرعيا في السلطة التي تعتبرها ولاية إلهية على الاقل في خطابها مع انصارها !!، فإن تأثير الثورة الاسلامية الايرانية وطموحها في تصدير الثورة؛ ترك اثرا كبيرا على سلوك وخطاب الاسلام السياسي الزيدي: حزبي الحق واتحاد القوى الشعبية أساسا – والاسر الإمامية السابقة التي ربطت علاقة وثيقة بنظام الملالي في الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ الثمانينيات، في الوقت التي كانت تحظى برعاية واحتضان العربية السعودية وبقية انظمة الخليج العربي، مكنها من تحقيق ثروات وبناء مؤسسات اقتصادية واعلامية، وربط علاقات مع الدوائر السياسية وحتى الاكاديمية والاعلامية في الغرب، اضافة طبعا الى وجود وازن في بنية نظام علي عبدالله صالح وجيشه .
وتحمل الحركة الحوثية ايضا ملامح إحيائية زيدية؛ ردا على محاولات تسنين المنطقة الزيدية التي تمت بدعم السعودية ونشاط حركة الاخوان المسلمين – من المفارقات تقارب الاسلام السياسي الزيدي والإمامي مع حركة الاخوان المسلمين طوال الستينيات والسبعينيات ضد اليسار اليمني ولقوميين والنظام الاشتراكي في الجنوب؛ حتى إن اغلب قيادات الحركة الحوثية درست في المعاهد العلمية التابعة للإخوان، والممولة من السعودية، ونظام صالح؛ كنظام تعليم مواز للتعليم الرسمي!!،
وتأثر مؤسس الحركة الحركي حسين بدر الدين بتجربة حزب الله في لبنان، اضافة الى التدريب والاعداد الذي تلقته كوادر الحركة الحوثية عسكريا وتنظيميا في ايران ولبنان، ودراسة الآلاف منهم في الحوزات الشيعية الايرانية؛ عمقت ذلك التأثير الايراني.
غير أن الامر الذي يفسر الصعود السريع للحركة من وضع شبه هامشي ومحصور في محافظة صعدة لا يعود الى ذلك، بقدر ما يعود الى انهيار النظام بفعل ثورة فبراير وتحالفها مع علي صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، الذي مكنها من السيطرة على اغلب اجهزة الجيش والامن وبيروقراطية الدولة، وحصولها على تأييد الطبقة التجارية الموالية لصالح ونظامه، حتى وان كان هذا التحالف قد انتهى بمقتل صالح.
القضية الجنوبية
يمكن إعادة ظهور القضية الجنوبية الى الازمة الى أعقبت حرب صيف 1994م التي انتهت باجتياح علي صالح وحلفائه القبليين والإسلاميين للجنوب – بمن فيهم حلفاء جنوبيون سواء كانوا من مجموعة الرئيس علي ناصر محمد(الزمرة) الذين انشقوا ولجأوا للشمال عقب هزيمتهم في احداث يناير 1986م التي جرت بين جناحي الحزب الاشتراكي اليمني، او ابناء المشايخ والسلاطين الذين قامت جمهورية اليمن الديمقراطية على أنقاض حكم أسرهم او اسلاميين مختلفين، خصوصا الجهاديين العائدين من أفغانستان، او جماعة الاخوان المسلمين الموجودين في التجمع اليمني للإصلاح – او حتى لوحدة 22مايو 1990م بين نظامي شمال وجنوب اليمن، التي كانت وحدة مرتجلة ومستعجلة ولم يتم التحضير لها جيدا، على الرغم من كونها كانت دائما من ابرز شعارات الحركة الوطنية ومشاريعها في الشمال والجنوب، ولعلها شكلت لحظتها حالة للهروب للأمام من قبل نظامين مأزومين.
لعل من ابرز الاسباب التي يجري إغفال الحديث عنها عند السعي لفهم القضية الجنوبية، هي الاسباب المتعلقة بالاقتصاد والسياسات الاقتصادية، فعلى الرغم من تشابه وتقارب المستوى الاقتصادي لكل من الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب)،فإنهما يكادان يكونان نظامين مختلفين تماما على المستوى الاقتصادي، فبينما كان الشمال حتى لو توفر على قطاع عام كبير وكانت الدولة – حتى في سياق التنافس مع نظام الجنوب الاشتراكي الذي دخلت معه في صراع منذ أول أيام نشؤئه – توفر الخدمات التعليمية والصحية بمستوى معين بشكل مجاني، كان الشمال قد أعتمد نظام السوق، وكانت خيارته الاجتماعية والاقتصادية تتم وفق هذا الخيار اولا واخيرا، وشهدت البلاد بروز طبقة تجارية قوية، حتى وإن كانت متداخلة مع الدولة، وحتى لو بقيت في موقع التابع للقوى القبلية والعسكرية، وكان بعضا من هذه البرجوازية التجارية يتحدر من العائلات التجارية التي هربت او اضطرت لمغادرة مدينة عدن في الجنوب مع بروز السياسات الاشتراكية وموجات التأميم المتلاحقة ما يفسر، بمستوى معين، طبيعتها المحافظة والمعادية لنظام الحزب في عدن.
واذا كان النظام الاقتصادي في الشمال قد حافظ على الكثير من سمات نظام الإمامة الاقتصادي خصوصا لسيادة طابع اقطاعي في تملك الاراضي، فلم تعرف اليمن الشمالية أي شكل من اشكال الاصلاح الزراعي، إلا انه سمح بتوسع القطاعات التجارية.
لقد اتسم اقتصاد الشمال بالارتباط بالشركات الاحتكارية، وبالاقتصاد السعودي ما كان يسميه محمد عبدالسلام بالتبعية المزدوجة ، وكان لدخول اليمن الشمالي عصر النفط (الاكتشاف عام 1984م والتصدير عام 1986م) في فترة متقاربة مع اكتشاف وتصدير النفط في الجنوب، وإن كمنتج صغير؛ مناسبة لزيادة رسوخ الطابع الريعي للدولة التي كانت حتى عام 1990، عام تحقيق الوحدة، تعتمد بشكل كبير على المساعدات الخليجية.
بينما كان النظام الذي تشكل في جنوب اليمن – جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية التي تحولت الى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية– منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني في ال 30 من نوفمبر 1967م، قد أخذ بنظام التخطيط الاقتصادي، وداخل الصراعات المختلفة بين التيارات المتعددة للجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل التي قادت الاستقلال ومن ثما اسست دولة الاستقلال، الى وريثها وامتدادها الحزب الاشتراكي اليمني، أخذ الطابع (الاشتراكي) واليساري للنظام يزداد رسوخا وتحولت علاقته بالكتلة الشرقية و الدول الاشتراكية الى علاقة استراتيجية في كل المستويات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية.
صحيح ان نظام الجبهة القومية كان قد ورث عن المستعمر البريطاني نظاما أدريا افضل مما كان متوافرا في الشمال، وصحيح ان عدن كانت تعد، ذا قورنت ببقية مدن الجزيرة العربية في ذلك الوقت، مدينة عصرية؛ إذ كانت عدن في الاربعينيات والخمسينيات، ميناء تجاريا مهما، وواحد من انشط الموانئ على مستوى العالم، لكن الحال بقى خارج مدينة عدن فيما عرف بالمحميات الشرقية والمحميات الغربية لاحقا، والتي حاولت بريطانيا ان تشكل منها دون نجاح يذكر ما عرف حينها بالجنوب العربي؛ على حاله ولم يكن يختلف كثيرا عن الوضع في اليمن الشمالي، والاسوأ ان نظام الجبهة القومية استلم الحكم من المستعمر البريطاني إثر هزيمة 5 حزيران 1967م والتي كانت من ضمن نتائجها إقفال قناة السويس، ما اصاب اقتصاد المستعمرة عدن حينها، بضربة قاصمة. فالاقتصاد كله تقريبا كان يدور حول الميناء، واغلاق قناة السويس يلغي كل ميزة للميناء الذي كانت تمر به السفن من آسيا الى اوروبا والعكس مرورا بقناة السويس.
تأسس النظام الجديد إذن بشعارات وبرامج اشتراكية لحزب هو في الاساس وريث لحركة تحرر وطني لا نقابات عمالية وفي بلد فقير يغلب عليه الانتاج الزراعي، ولا تشكل فيه الطبقة العمالية سوى جزء صغير من العاملين وقوة العمل، وفي بلد يعاني من شمول الفقر والتهميش وانعدام البنية التحتية، إذا استثنينا مدينة عدن، وبدأ النظام الجديد بتأميم القطاعات الرئيسة، وتوسع في برنامج التأميم الذي شمل كافة القطاعات، وتمكن النظام الثوري حينها من دمج 25 سلطنة ومشيخة في دولة مركزية واحدة، عاصمتها عدن. وعلى عكس النظام الذي تكون في الشمال، سعى نظام عدن الى ازالة كل أشكال الانتماءات والحدود القبلية في الجنوب حتى إنه استبدل اسماء المحافظات ووضع بدلها ارقاما، وقام بإلغاء الالقاب وحذفها من الوثائق الشخصية، واستبعد الزعامات القبلية تماما. وكان زعماء المشيخات والسلطنات وكذا زعماء جبهة التحرير الذين خسروا الحرب الأهلية، قد غادروا الجنوب الى الجمهورية العربية اليمنية، وأغلبهم توجه الى المملكة العربية السعودية، وبقية أمارات الخليج.
بعد صرعات متعددة كانت تتفجر بشكل دوري داخل اطراف الحزب والنظام في الجنوب، خصوصا احداث 13 يناير 1986م والتي انتهت بشق الحزب والمجتمع في انقسام عميق، خصوصا انها اخذت رغم طابعها السياسي- طابعا قبليا وجهويا وهو ما كان مشروع الحزب الاول والاساسي يسعى لتجاوزه، بعد هذه الاحداث، وصل النظام في الجنوب الى الوحدة مع الشمال – التي كانت دائما على رأس اهدافه – متعبا ومثخنا بالجراح، خصوصا ان ذلك كله قد ترافق مع انهيار المعسكر الشرقي وسقوط تجربة الاشتراكية التاريخية التي كانت في الاتحاد السوفيتي سند النظام الاساسي ان لم يكن الوحيد، اضافة الى ان احداث 13 يناير اضافة الى كونها ضربة لشرعية النظام وشعاراته، كانت قد قضت على صف قيادته التاريخية، بل وصفه القيادي الثاني والثالث .
وبعد شهر عسل قصير تدهورت الامور بين شركاء الدولة الجديدة، وبدأت سلسلة من الاغتيالات واعمال العنف الموجهة نحو قيادات الحزب خصوصا الوسطى في المناطق الشمالية وأدت الى تصفية 156 قياديا حزبيا، وعشرات المحاولات الفاشلة التي استهدف بعضها كبار مسؤولي الحزب من أمثال د. ياسين سعيد نعمان رئيس مجلس النواب، حين قصفت غرفة نومه بصاروخ، وحيدر العطاس رئيس الوزراء غير انهما نجيا من تلكما المحاولتين. ورغم فوز الحزب الاشتراكي اليمني بالأغلبية الساحقة من دوائر الانتخابات في الجنوب اذا فاز ب54 دائرة انتخابية من اصل عدد الدوائر ال56 في اول انتخابات اجريت بعد الوحدة في ابريل 1993م، الا انه حل بالمركز الثالث على المستوى الوطني العام، رغم الاصوات الكثيرة التي تحصل عليها في الشمال بسبب تشتتها في الدوائر الكثيرة، تاركا المكان الثاني للحزب الاسلامي (التجمع اليمني للإصلاح) حليف الرئيس علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام.
الوضع الجديد وتحول الحزب الاشتراكي الى الشريك الصغير في التحالف الحاكم الذي اصبح ثلاثيا بعد دخول التجمع اليمني للإصلاح، واستمرار عمليات الاغتيال لقيادته وكواده؛ سرع بالتدهور الشامل نحو الحرب التي اندلعت بعد عام من الانتخابات بعد ازمة سياسية طويلة ابتدأت باعتكاف نائب الرئيس وامين عام الحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض الذي حمل الرئيس علي عبدالله صالح وحزبه واجهزته والتجمع اليمني للإصلاح، مسؤولية الاغتيالات، وبدأ بالمطالبة بضمانات دستورية وقانونية تؤمن للجنوب وضع الشريك الكامل في دولة الوحدة.
الازمة التي نتج عنها حوارا ووثيقة للحل عرفت بوثيقة العهد والاتفاق، وقع عليها في العاصمة الاردنية عمان، وكانت تتضمن مستوى معينا من الفيدرالية الادارية والسياسية وصلاحيات اكثر لمنصب نائب الرئيس، وما لبثت الحرب ان اندلعت بعد أيام قلائل من توقيع الوثيقة. وكان من الواضح الاستعداد الطويل للحرب من جانب علي عبدالله صالح وحلفائه الاسلاميين والقبائل، بينما كان الحزب الاشتراكي والجنوب ابعد ما يكون عن الجاهزية للحرب خصوصا ان آثار حرب احداث 13 يناير 1986م التي انقسم فيها الجيش والحزب، كانت لاتزال مؤثرة إذ استخدم علي عبدالله صالح جناح علي ناصر محمد لتسهيل اجتياح الجنوب الذي تم خلال شهرين وانتهى بسقوط مدينة عدن، ومغادرة علي سالم البيض الى سلطنة عمان.
وكما ذكرنا ان الحزب الاشتراكي اليمني كان قد قام بتأميم كل أدوات الانتاج في الجنوب لمصلحة قطاع عام وملكية عامة، وخلال ثلاثة اعوام وانتهاء الحرب بهزيمة الحزب ومغادرته للسلطة؛ وجد ملايين الناس الذين كانوا تقريبا يفتقدون للملكية الخاصة، ويعتمدون في حياتهم بدرجة كبيرة على الدولة وعلى القطاع العام، وجدوا أنفسهم امام وضع جديد عليهم، إضافة الى غياب من يمثلهم سياسيا، وسيباشر النظام المنتصر الجديد سلسلة من التسريحات العامة لعشرات الالاف من الجنود والضابط المحسوبين على جيش اليمن الديمقراطية سابقا، وكذا احالة عشرات الالاف من موظفي جهاز الخدمة المدنية، إما للتقاعد المبكر او لما سمي بالفائض، كما واصل برنامج خصخصة المؤسسات العامة والمصانع والشركات ومزارع الدولة، واذا كانت الكثير من المباني العامة والاراضي الزراعية قد وجدت طريقها لتصبح ضمن ملكيات رجال نظام علي عبدالله صالح وحلفائه الاسلاميين في التجمع اليمني للإصلاح بمبالغ رمزية او حتى بدون مقابل، واذا كان المنتفعون من خصخصة المؤسسات والمصانع والشركات العامة من البرجوازية التجارية او رجال السلطة والجيش ومشايخ القبائل ينتمون في الواقع للشمال والجنوب، فإنهم في اعين مجتمع كامل رأى ملكيته العامة الذي بناها في عشرات السنين؛ تصبح في ملكية افراد وعائلات معدودة، كانوا ينتمون لعلي عبدالله صالح والشمال بشكل عام.
لم يكن غريبا اذن ان تكون اول الخطوات التي ستنتج ما سيعرف لاحقا بالحراك الجنوبي والذي بدأ بمطالب حقوقية وانتهت اغلب اطرافه بالمطالبة بفك الارتباط والانفصال واستعادة الدولة – مرة تحت اسم الجنوب العربي او تحت اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية – في ما عرف باسم جمعيات العسكريين المتقاعدين قسريا والذين نفذوا عديد الاحتجاجات والاعتصامات في عدن والضالع، فلقد كانوا من اكثر الشرائح تضررا من اجراءات نظام علي صالح وشركائه.
في الحرب الحالية وبعد ان أمن تحالف الحوثي-صالح اغلب مناطق الشمال بعد الاستيلاء على الشمال منذ الاستيلاء على صنعاء في سبتمبر العام 2014م، اندفع للاستيلاء على الجنوب خصوصا بعد هروب الرئيس عبدربه منصور هادي من قبضتهم في صنعاء الى عدن في 21يناير 2015م . وانحازت اغلب المعسكرات الموجودة في الجنوب والتي كانت تدين بالولاء لعلي صالح ونظامه، للتحالف الجديد الحوثي الصالحي وتم قصف القصر الرئاسي في عدن بالطائرات، وباءت محاولة الرئيس هادي ووزير دفاعه اللواء الصبيحي تنظيم الدفاع عن الجنوب وعدن بالفشل، على الرغم من نجاح السيطرة على عدن واخلائها من قوات الامن المركزي المؤيدة لصالح والحوثي في الايام الاولى، واندفعت مدرعات وعربات تحالف الحوثي صالح نحو عدن خلال ايام من اعلان الحرب بقصف الطائرات للقصر الرئاسي في 22مارس 2015م وحتى التدخل السعودي في ال26 من نفس الشهر بعد اسر وزير الدفاع الصبيحي وتمكن الرئيس هادي من المغادرة الى السعودية، وطلب التدخل.
أكثر من حرب
تدور في اليمن منذ اربع، أو خمس سنوات؛ ما يبدو انها حربا واحدة بينما هي اكثر من حرب: حرب استرداد تظنها الحركة الحوثية استعادة للحق الإلهي والولاية السياسية الدينية، وهي حرب بصبغة سلالية وطائفية وجهوية، تشاركها معهم الرئيس السابق- المقتول- علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام من اجل استعادة حكمه، وايضا من اجل ادامه هيمنة المنطقة الشمالية القبلية على السلطة والنفوذ والجيش، قبل ان ينتهي هذا التحالف بمقتله بعد صراع قصير العام الماضي.
الحركة الحوثية كانت قد تمكنت من الاستيلاء على كل مفاصل السلطة خلال اربع سنوات، اضافة الى تجذرها، علاوة على الدعم الذي تتلقاه من النظام الايراني والمليشيات الدائرة داخل مشروعه مثل حزب الله .وبالتالي فإلى حرب استعادة الحق الإلهي الحوثية ، فإن الحرب الحوثية في ظل ارتباطها الوثيق بإيران هي حرب تطويق واستنزاف السعودية كحرب بالوكالة بين إيران والسعودية ميدانها اليمن .
حرب التحالف العربي بقيادة السعودية والذي وان كان يعلن انه جاء من اجل استعادة الشرعية ضد الانقلاب الحوثي الصالحي، هدفه الحقيقي إدامة الهيمنة السعودية على اليمن، اضافة الى الدفاع عن السعودية من ما تظنه الخطر الايراني، ومحاولة زرع شوكة في خاصرتها الضعيفة – وهي مخاوف جدية-، فرغم العلاقة التاريخية بين الاسر الإمامية وبين النظام السعودي والدعم الذي تلقته منه، واحتضانه لها بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، فإن صعود الثورة الاسلامية في ايران، وبرنامج تصدير الثورة وشبكة العلاقات التي اقامتها مع الاقليات( الشيعية)، وبروز تجربة وفعالية حزب الله؛ جعل الكثير من التيار الإمامي يفضلون الارتباط بإيران التي توفر لهم ظروفا افضل ( لاستعادة) السلطة .
تاريخي اعتبرت الحركة الوطنية اليمنية، السعودية كعدو تاريخي، وكرست هذا المفهوم على مدى عقود – لم يكن التيار الإمامي الجذر الاجتماعي للحركة الحوثية ولا الإخوان المسلمين يعتبرونها كذلك، لسببين رئيسين:
– الأول احتلال جزء من اليمن الطبيعية من قبل نظام آل سعود أساسا جيزان ونجران وعسير، والثاني اعتبارها قاعدة للأنظمة الرجعية في المنطقة ، وخصوصا لوقوفها ضدّ الثورة اليمنية 26 سبتمبر، ودعمها للملكية الإمامية !!
وفي الواقع للسبب الثاني أكثر .. ومن المفارقات انها اليوم تتدخل ضد ورثة هذه الاخيرة بالذات !!
وداخل هذا التحالف يوجد في الواقع اكثر من مشروع، فعلى الرغم من الوئام الظاهري بين كل من السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، لدي دولة الامارات مشروعها الخاص، الذي لا يمكن ان يكون الا على حساب النفوذ السعودي. فبينما تركز السعودية دعهما على الرئيس هادي والجيش التابع له، تعمد الامارات الى إنشاء شبكة من التنظيمات المليشاوية المستقلة التي لا يجمعها جامع سوى الولاء والتبعية لها – ما يعرف بالأحزمة الامنية في عدن والضالع ولحج والنخب في شبوة و حضرموت- المعادية عموما للرئيس هادي وقوات جيشه. وتعتمد الامارات في ذلك على تغذيه الحس الانفصالي الجنوبي، الذي تنامى بفعل الحرب، وتقدم نفسها لأنصار الحراك الجنوبي باعتبارها داعمه لحقه في الانفصال، واستعادة الدولة. وكانت ذروة الصدام بين هذه الفصائل المدعومة امارتيا وبين دولة الرئيس هادي، قد تجسدت في الاشتباكات التي اندلعت بينها وبين الحرس الرئاسي التابع لهادي في عدن في يناير العام 2018م، وانتهى بأرجحية للفصائل المدعومة امارتيا، والذي تعيده الوية هادي الى الدعم والتدخل المباشر الامارتي، وان كانت الوية الحزام الامني وقوات المجلس الانتقالي تتمتع بدعم شعبي جدي داخل صفوف الحراك الجنوبي، لكن الاحداث كما كشفت طبيعة تضارب المصالح الاماراتية السعودية – التي انحازت لهادي وحكومته – كما اعاد الانشقاق الجنوبي الجنوبي القديم فصراع يناير 2018م بدا كاستعادة لصراع يناير 1986م. فقوات هادي تنتمي بغالبها وقيادتها الى محافظتي ابين وشبوة التي كانت تنتي لها قوات (الزمرة) في يناير 86، بينما تنتمي قوات الاحزمة الامنية المحسوبة على المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال والمدعومة امارتيا الى محافظتي الضالع ولحج التي كانت تنتمي لها قوات (الطغمة) في نفس الحرب، وهو الامر الذي كان قد حذر منه رئيس الوزراء السابق بن دغر، قبل شهور .
وتهدف الامارات اساسا للسيطرة على السواحل اليمنية، والتحكم بالموانئ الاستراتيجية في سبيل التحكم بالحركة التجارية في المنطقة، وتعزيز سيطرتها على التجارة الحرة والنقل التجاري في المنطقة . كما انها تجعل هدف اجتثاث حركة الاخوان المسلمين على رأس جدول اعمالها؛ ما يفسر الكثير من سلوكياتها في اليمن على الرغم من سعي السعودية لجمعها معهم لأكثر من مرة، لكن كن دون تغيير حقيقي في سياستها .
واذا كانت الامارات تتمتع بفعالية اكبر على الارض، اضافة الى استفادتها من دغدغة رغبات الانفصال لدى تيار شعبي في الجنوب، كما تتمتع بعلاقة خاصة مع جماعة علي صالح وعائلته، فلا شك ان السعودية تتمتع بجذور وروابط اشد اهمية وعمقا في اليمن، خصوصا مع الطبقة التجارية الحضرمية وعائلات المشايخ والسلاطين السابقين . اضافة طبعا للعلاقة مع القبائل والعسكر والاخوان المسلمين، خصوصا في الشمال.
والان بعد انكماش الحركة الحوثية الى المناطق الداخلية في الشمال – بعد خروجها من كل الجنوب تقريبا، اضافة الى محافظات مأرب والجوف وجزء من تعز، واخيرا جزء من الحديدة في الشمال، فإن المتحكم الاساسي في ايقاعها ليس موازين القوى على الارض، بل الخطط والمشاريع لقوها الرئيسية خصوصا السعودية والامارات، وقد تجلى بوضوح بعد السيطرة السريعة على الجنوب. انه لن يكون من المسموح تحرير منطقة من المناطق قبل اعداد القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية ومراكز النفوذ التي ستسيطر عليها، واكثر ما يبدو هذا الامر وضوحا هو في تعز، فرغم ان المدينة قاومت الحوثيين، واستطاعت طردهم من اغلبها مع الاجزاء الاكبر من مديرياتها وريفها. وكانت مديرية مثل مشرعة وحدنان، قد حررت نفسها وطردت القوات الحوثية بدون اي دعم يذكر من التحالف – لعبت عناصر محسوبة على الحزب الاشتراكي اليمني والناصريين، دوار مهما في تنظيم مقاومة الحوثيين في تعز وهزيمتهم، فإن استكمال تحريرها بقي منذ ثلاث سنوات رهينة المخاوف الاماراتية من هيمنة الاخوان المسلمين( تجمع الإصلاح) عليها. بينما اكتفى هذا الاخير بتخزين الاسلحة والاموال، والمشاركة في الجهد الادنى من القتال؛ بعد ان استنتج من تجربة تحرير الجنوب والتنكيل الذي تعرض له هناك، أن عليه عدم الاشتراك من دون ضمانات سعودية، بالمشاركة بالنفوذ والحكم، وايضا استعدادا لجولات الصراع المستقبلية .
واذا كانت المقاومة الشعبية، قد لعبت الدور الابرز في التصدي للتوسعات الحوثية، وتمكنت في الشهور الاولى من وقف توسع قوات صالح-الحوثي، وتحرير عديد المناطق مثل الضالع – بقوات اغلبها مؤيدة للحراك الجنوبي – او مشروعة وحدنان وتعز ومأرب، فإن غياب الخطاب السياسي المعبر عنها، واجتماع رغبة الأطراف المختلفة في تحويلها إلى جزء من الجيش الرسمي، واخضاعها للتحالف؛ قد اسهم في تراجع تأثيرها على الرغم من التأييد الشعبي الواسع الذي كانت تحوزه، والان مع زيادة التذمر الشعبي من تدخل التحالف، وزيادة انكشاف طبيعة مشروعه، اضافة الى التغطية المتزايدة للجرائم والانتهاكات المسؤول عنها التحالف السعودي الامارتي، إن لجهة قصف المدنيين، او انتهاكات حقوق الانسان،
والمعتقلات السرية التي يديرها – خصوصا الامارات – فإن امكانية استنهاض هذه المقاومة الشعبية بمشروع ثورة فبراير؛ تبقى ممكنة.
ومن البداية كان وضع الناس بين خيارين وحيدين؛ إما التحالف الحوثي الصالحي الرجعي، أو تحالف السعودية الامارات العشري هو اكبر الجرائم في هذه الحرب !!
* مجلة المرصد ، العدد الثالث.